اقتباسات من رواية أعراس آمنة

❞ هناك أسطورةٌ فلسطينية تقول إن الله يخلق الإنسان من ترابين، تراب المكان الذي وُلِدَ فيه وتراب المكان الذي سيموت فيه. لقد عرفتَ من زمان، أننا خُلِقْنا من هذا التراب وحده، لأننا عليه وُلِدنا وعليه نموت ❝

ها أنت تضحك. تضحك أم تبكي؟

‫ تبكي.

‫ لا. أريدكَ أن تضحك.

‫ بحر غزّة فيه ما يكفيه، بحيث لم يعد بحاجة إلى أيِّ دموع.

نحن نتناثر عبر أولادنا، أتعرف لماذا؟ لأننا نحرص حين يجيءُ الموتُ أن يكون جزء منا قد أفلتَ منه ولكنه يدركهم تقول لي؟نعم يدركهم، لكنّهم يكونون بدورهم قد تناثروا في أبنائهم أيضًا ‫لست وحدكَ المطارد، كلنا مطاردون هنا. كلنا

كنت أقرأ تاريخ الاستشهاد فوق الشّاهدة المؤقتة. وأتساءل: أيّ اسم سيُكتب فوق هذا التاريخ؟ هل يبحث التّاريخ عن الأسماء ليملأ هذا الفراغ المخيف؟ أم تبحث الأسماء عن التاريخ ليكون لمرورها معنى وأثر؟

ثم تصمتُ: هل قلتُ لكِ يا بنت لماذا يحلم الناس؟

‫ - لا.

‫ - لأنهم لا يشبعون من الحياة،

تعرفين كان قلبي يبدأ بالتّقافز داخل صدري، لمجرد فكرة أنني سأراك، وحين أسير من بعيد متتبِّعًا خطواتك، أقول هذه امرأة، تستحقّ أن تُشْعِلَ حربًا من أجلها، إنْ حالَ أيّ شيء بينك وبينها

هل تعرف ما مصير الحكايات التي لا نكتبها؟

‫ إنها تصبح مُلْكا لأعدائنا.

وقلتُ نحن أولاد حياة، أقصدُ شعبنا، وإلّا لكانوا هزمونا منذ مائة عام.

وقالت لي: كنتُ أريد أن أقول لكِ الكلام نفسه، فأنت تبدين أكثر حزنًا منّي لأنك لا تبكين!

أسوأ شيء أن يباغتك الفرح رغم أنك تنتظره من زمن طويل.

كان يلزمنا قلوبٌ أكبر كي تتسع لكل هذا الأسى.

نحن كثيرون في هذا الشريط الضيق إلى حدِّ أنني لا أستطيع أن أرى أحدًا تمامًا.

‫ في البيتِ كثيرون، في الشّارع، في المدرسة، في السّوق، وأحسُّ أننا لو نظرنا مرّة واحدة للبحر فستبتلعه أعيننا.

‫ وكثيرون في أحزاننا..

قلتَ لهم: هناك أسطورةٌ فلسطينية تقول إن الله يخلق الإنسان من ترابين، تراب المكان الذي وُلِدَ فيه وتراب المكان الذي سيموت فيه. لقد عرفتَ من زمان، أننا خُلِقْنا من هذا التراب وحده، لأننا عليه وُلِدنا وعليه نموت،

وحين قالوا لك ساخرين، وأنت يا أستاذ مصطفى: ما هي الجهة التي تناديك ولا تسمع سوى صوتها؟ أشرتَ للأرض ‫ قالوا لك: الأرض ليست جهة، الأرض مكان، أما الجهات ففوقها ‫ قلتَ لهم: كلُّ الجهات تلتقي هنا، فيها، ومن يملكها

استدارتْ؛ ورحتُ أراقبها تبتعد، وغطاءُ رأسِها يرفُّ محاولًا تقليدَ جناحٍ بلا جدوى.

من السيئ أن تملك رأسًا صغيرًا في وطن ليسَ فيه سوى الهراوات الكبيرة وفوهات البنادق المتطلِّعة إليك.

يستسلم الإنسان حين ينسى مَن يُحب ولا يتذكر سوى نفسه، ورغم أنه يحسُّ أن هذه النفس هي أغلى ما في الوجود في تلك اللحظة بالنسبة إليه، إلا أنها في الحقيقة تكون قد تحولت إلى مدينة فارغة

الدّموع ليست هي الحزن، الحزن هو أن تستطيع أن تمنع نفسك من أن تبكي أمام أحد من أجل هذا الأحد».

لأنهم لا يشبعون من الحياة، يحلمون حتى يتخيّلوا أنهم ليسوا نائمين، بل مستيقظين، وأن شيئًا لم يَضِع عليهم؛ وأنا أيضًا، أما أن أحلم به فأبدًا! حتى لو نقص عمري لكن ما باليد حيلة أحيانًا! يبدو أنني تعبتُ أخيرًا، فنمتُ، وأصبحت

القنّاصون فوق الأبراج يعرفون السّر، ولهذا السبب يصوِّبون نيرانهم نحونا، نعم، هذا كلّ ما في الأمر، لا يصوّبون نحونا كي يقتلونا، يصوِّبون نحونا كي يقتلوا الحرية التي تختبئ فينا، الحريّة التي نطاردها طَوال عمرنا كي نمسك بها.