رأ لغسان كنفاني بشكل متتابع ولا أشعر بالملل لأن كل مجموعة قصصية لها هدفها وجمال مواضيعها وخصوصية مرحلتها وتصوير واقعها بصدق ، ولأن قضيتنا أصبحت بعيدة نوعا ما فنحن اليوم بحاجة لنتذكر أن فلسطين ما زالت محتلة وقصص غسان التي تتحدث عن تاريخ حقيقي ومعاناة عاشها او سمعها تساعد على عيش القضية من بدايتها وأوج ثوراتها. وفي مجموعته المميزة يربط بين الرجال والبنادق مع التشديد على "ال"التعريف والرجل الفلسطيني هو الذي ولد طفلا لكن ما لبث أن فتح عيناه ونظر للدنيا إلا ورأى البندقة تنتظره ، تحدث عن "الصغير" منصور عمره 17 سنة اتخذ قرار الذهاب للقتال في صفد من رأسه من رؤيته وقناعته بواجبه في القتال وكان يحس بالعار لأنه لا يملك بندقية يذهب بها إلى ساحات القتال وكأنه ذاهب إلى العرس ويقول في نفسه حتى العرس يلزمه سلاح. ويشير غسان كنفاني إلى اخيه الدكتور الذي تحدى والده في ابتعاده عن أرضه ومحراثه ليتعلم ولم يكتف بذلك بل عاد من بيروت محاولا أن يتمدن وفتح عيادته في حيفا لينشغل باليهوديات أيضا لا أدري ما قصد غسان يبدو انه يحكي عن واقع وفترة مرت بها فلسطين الفرق بين الريف والمدن وكيف كانت الحياة السياسية والاجتماعية آنذاك، وأظنه صدق في ذلك،فالمقاومة وروحها كانت تختلف والرجال الحاملين للبنادق يختلفون نسبة لأصلهم، وتحدث عن أمر مهم والذي قامت لأجله ثورات وهو دور الانكليز غير العادل في التعامل مع الفلسطينيين واليهود الصهاينة ، وتحدث في لوحته هذه بشكل عابر كيف اليهود كبروا في مدينة صفد واحتلوا مراكز تجارية كبيرة كانت داعمة لهم في بناء وطنهم القومي المزعوم وحربهم مع الفلسطينيين. تنتهي هذه اللوحة بتفاصيل مهمة ، وتتجمل هذه اللوحة في النهاية عند الشجرة والبندقة والجراح والجثة الهامدة وشاب في السابعة عشر من عمره يتوق لحمل البندقية وشجرة تمثل بلاد أضحت بأمس الحاجة له، وأخ تعب عليه والده وباع الكثير ليكمل دراسته لكن لم يكن حاضرا عندما كبر جرح والده وهو يقاوم على كبر سنه وكان قد شارك بالقتال ليحصل على اسلحة في القلعة ويرضي منصور بإهدائه سلاح يوم عرسه! إن غسان في هذه اللوحة لا ينسى تفاصيل اجتماعية ونفسية لشخصياته مثل ابو القاسم وتعامله مع أولاده !!
كانت اللوحة الأولى أشد ألما وخاصة أنها تذكرني بواقع أشهده في المخيمات السورية ،يتحدث على الهاتف عن حمل علب هدابا ألعاب لأطفال المخيم بمناسبة العيد ويتذكر كيف كان صغيرا في المخيم ويتذكر الجليد يكبل أصابع قدمه وعلبة حساء تسد جوعه ولا يهتم لتلك العلبة التي تحتوي على الهدية ، ما هذا الترف في تصور معاناتهم ؟ ابن المخيم ماذا يحتاج لغير الدفء والخبز ووطن يحتضنه !! ومنزله يأويه وحارته ليلعب فيها بألعاب ليس بحاجة لتغليفها في علب جميلة!! ابناء المخيم كبروا قبل أوانهم !!
أما القصص الأروع هي الصغير يذهب إلى المخيم وحامد الذي كانت أذناه مملوءتين مازالتا بالدوي الذي لا يهدأ كان العالم كله محتجبا وراء ذلك الصوت الذي لا يملأ السمع غيره! قال له "سيمر يومان أو اسبوع وسيعود إليك سمعك ولكنك لن تنسى أبدا ذلك الصوت ،إنه الصوت الوحيد الذي يطمر كل ماعداه ويدفنه"
يبدع غسان في هذه المجموعة في اللغة الرائعة والأسلوب الفني المتقن وفي طرق السرد ، خاصة في لوحة صديق سلمان يتعلماشياء كثيرة في ليلة واحدة .
أورثنا كنفاني إرث عظيم هو حب هذا الوطن للعيش فيه بعدل ومقاومة .
زاد اعجابي بغسان وتعلقت بقصصه حتى أنها ترافقني كثيرا ، ليت لهذا الأديب المخلص لوطنه يتكرر