هل هي سنّة الحياة أم حكم زمان جائر، تساءلت وهي تفكر في سفر الأولاد. يقولون "لن نطيل السفر، قريبًا نعود"، ولكنه كلام يضيع في رمال الغربة الناعمة التي تغوص فيها أقدامُهم سنة بعد سنة. يحزمون أمتعتهم ويستعدّون للسفر ومن يدري متى يُكتب لها اللقاء بهم، سرت رجفة في بدنها، وأحست بغصة في حلقها وبشئ كالمرارة في الفم. "هل هي سنّة الحياة، أن يكبر الأولاد، فيذهبون ثمّ تبقى وحدها كشجرة عارية تجتر الوحشة وتنتظر، أم أنه الزمان الصعب يحكم على الناس بالشقاء، ومتى يأتي الفرج وكيف.
عاشت عمرها تربي وتكبر وتنتظر. مسحت دموعها وقاومت رغبة في الانتحاب. لولا وجود بشرى وخالد الصغير معها لقتلتها الوحشة، قلبها يوجعها على بشرى وتكاد تعتب على طه وعلى سلمى، ثم لا تعتب. هل صحيح أن الأولاد كقلتهم كما يقولون. لا لا إنهم كالشمس وبدونهم يذوي الإنسان ويموت. إنه زمان جائر ذلك الذي يبعثر الأولاد في الغربة ويثقل عليها إلى هذا الحد.