بدأ حبي للسينما الإيرانية في السنوات الأخيرة، خاصة بعد مشاهدتي لفيلم A Hero لأصغر فرهادي وفيلم Taste Of cherry لعباس كيارستامي.. وكانا الفيلمان بمثابة مدخل لي ناحية السينما الإيرانية، وخاصة وأنني أحب الأفلام التي تركز على التفاصيل، وتغوص في المجتمع لتعرض صورة حيه منه، بالإضافة إلى الفلسفة والرمزية التي تكمن في التفاصيل والبساطة التي من خلالها يتم طرح رؤية المؤلف والمخرج، فالسينما الإيرانية متعتها بالنسبة لي أنها سينما حية، صادقة، عفوية، تنغمس فيها وتتآلف معها، كأنك فرد من هذه القصة، وليست مجرد حكاية أو تمثيل.
السينما والمجتمع الإيراني/ للكاتبة والباحثة إسراء عصام.
الكتاب ليس مجرد عرض تاريخي لجذور السينما الإيرانية وتطورها والمراحل التي مرت بها، إنما بمثابة وثيقة تاريخية واجتماعية وسوسيولوجية لإيران، حيث استفادت الكاتبة من السينما وانطلقت منها لتحليل المجتمع بكافة أبعاده، فالكتاب حين يستعرض بدايات السينما في الدولة، لا ينفصل عن شكل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي بها، بداية من الدولة القاجارية والثورة الدستورية في إيران، مروراً بصعود رضا بهلوي لقمة الدولة وتغيير النظام السياسي بها سنة 1925، وخلال هذه الفترة التي كان بها انفتاحًا شكليًا على الغرب من حيث المظهر الخارجي، امتد أيضاً لفترة الابن محمد رضا بهلوي، ورغم ذلك فالسينما مرا بالعديد من القيود والأزمات، وكانت المرأة تعاني رغم محاولة تصدير النظام لصورة التحرر، فالمرأة ظلت مواطنة درجة ثانية، لا تصلح للمناصب المهمة أو أن تقود حراكًا ثفافيًا أو فكريًا، وظهر ذلك من خلال تصريحات الشاه الأب والابن ونظرتهما الدونية للمرأة..
وكان فيلم "البقرة" بمثابة إدانة لنظام الشاه، فيلم يعرض حالة البؤس والجهل والتردي الاجتماعي والفكري لأهل القرية، فالفيلم يركز على أنماط متعددة من البشر ونماذج حقيقة القاسم بينهما والمشترك يتمثل في الفقر والجهل، فالبقرة التي يربيها حسن ويتعلق بها كاشفة لكل أنماط المجتمع، ورمزية لتهاوي وضعف النظام الحاكم، ورمز للتخبط والتيه الذي سيعيش فيهم المواطن الإيراني فيما بعد، أيضاً حالة حسن بعد موتها والتماهي معها لدرجة العيش كبقرة ربما كانت استشراف للمستقبل والحياة بالنسبة للمواطن الإيراني..
أيضًا الفصول التي تناولت فيها الكاتبة وضع المرأة قبل الثورة الإيرانية وبعدها اتسمت بالتميز وعمق التحليل ووضوح الرؤية، نفذت إلى أعماق المجتمع وحللت ما يحدث من كافة النواحي، بالإضافة لوضع الطفل والإتجار به، خاصة وأنها كما أشارت فالتجارة في الطفل والأعضاء في إيران وصل لمرحلة مرعبة وأصبحت القضية شبه مشرعنة، كإشارة واضحة لغياب البراءة وتخبط وضياع الإنسان والقيم..
لفت نظري مناقشة قضايا الأقليات، وارتباط العمران بالإنسان في الداخل الإيراني، بالإضافة لعلاقة الإيرانيين بالأفغان، وأن طالبان السنية لا تختلف عن ولاية الفقيه الشيعية حتى وإن كانا المذهبين في حالة صراع إلا أن التطرف يكاد يتطابق مهما كانت الاختلافات العقائدية..
أعجبني للغاية الفصل المرتبط بالعادات والأزياء والموروث الشعبي الإيراني سواء في العزاء أو العرس، فهي بمثابة شاهد على عراقة وأصالة التراث الإيراني وما يحتويه من قيم جمالية، فمهما كان قبح الأنظمة وتطرفها، تظل الشعوب التي تمتلك الحضارة بداخلها بذور الجمال والحياة، وهي بمثابة بادرة أمل، تحافظ على جوهر الإنسان في تحدي القبح والطغيان..
نقطة أخيرة، الأفلام التي ذكرت في الكتاب فتحت شهيتي على المشاهدة واستكشاف المزيد عن السينما والمجتمع الإيراني..
...