اقتباسات صالح ديما

بل هو الجذور التي تنمو عميقًا في قلوبنا وعقولنا. إنَّه الذكريات العزيزة، التي تضيء لنا درب الحياة رغم الجروح والأوجاع. قد يحتضر الوطن، ولكن لا يمكن أن يموت بينما نستمرّ في حمله بداخلنا.

كان عليَّ ألَّا أفتحَ الباب أبدًا، وألَّا أسمح له بالمغادرة. تلومني والدته وتسألني: من فتح الباب؟ هل الذين فتحوا البابَ لثورة البلاد مسؤولون عن الذين قَضَوا نحبَهم

ـ كيف يمكنني مساعدتك يا سيِّدي؟

⁠‫ـ أنا مرقان أخو مرسل.

⁠‫ـ أهلًا سيِّد مرقان، تقصد سيِّد موساكا، تفضَّل بالدخول إنَّه بانتظارك.

هروبنا من وجهه في تلك الأيَّام الخوالي لا يشبه أبدًا هروبنا هذه الليلة. هناك كُنَّا نهرب نحو بيوتنا، أمَّا الليلة فنحن نهيم على وجوهنا، لاجئين مشرَّدين، منفيِّين مطرودين من وطنهم، يتحرّون الظلمات، ويبتعدون عن وسط الطريق، ويتجنَّبون الأضواء الكاشفة. قافلة حرم عليها رؤية بيوتها

«إنَّنا نعيش في بلد فيه الملايين من المهاجرين بالنيَّة».

⁠‫يوسف زيدان

❞ لا أحد يغادر وطنه

⁠‫إلَّا إذا صار الوطن فكّ قرش قاتل

⁠‫تركض إلى الحدود، فقط

⁠‫حين ترى المدينة بأكملها تفعل ذلك

⁠‫حين يركض جيرانك أسرع منك

⁠‫وأنفاسهم تدمي حلوقهم

⁠‫لا أحد يرحل عن وطنه

⁠‫إلَّا إذا طلب منك الوطن

⁠‫أن تترك ملابسك وراءك

⁠‫أن تزحف عبر الصحراء

❞ ورسن شيرى warsan shire

⁠‫شاعرة صوماليَّة ❝

⁠‫

#مواسم_القرابين

لتلك المرآة التي تكسَّرت، وتناثرت شظايا في دروب حياتي، لم تدمِ قدمي بل أدمت روحي…

⁠‫شظايا مرآة فجَّرتها الحرب، كانت ذات يوم تجمع صورة أيَّامي في كيسمايو، تناثرت اليوم آلاف الشظايا. أحاول جمعها وترميمها لأستعيد صورة تلك الأيَّام، لكن يبدو أنَّه لكن يبدو انها ذهبت ولن تعود

«أيُّها الإله العظيم، اجعلنا أولئك القوم الذين يرقصون فرحًا بنعمك، ويحلبون نوقهم في حبور»(12).

وعندها قرصت جدَّتي خدِّي وأذني، ثمَّ وضعت كفَّيْها على وجهي، وبدأت تمسح على خدِّي كانت يداها حنونتيْن، أحسَّست بدفء يشملني قبَّلت رأسي، وردَّدت دعاء لا أنساه: ‫ ـ يا ربي يا قادر على كلّ شيء… احرس مرقان بعينك التي لا

❞ اصطحبني الشاب صامتًا مطرقًا طول الطريق، حتى وصلنا بيت جدِّي هنا وُلدت أمِّي وترعرعت، وعاشت طفولتها وصباها كبرت على احترام العادات وصيانة التقاليد ورثت عن أبيها روحًا متوثبةً توَّاقة للحياة وفي تلك المساحة الواسعة التي تمرح فيها الروح تعلَّمت أمِّي❞ الحرِّيَّة، وتعلَّق قلبها بها. وحين فارقت بيتها إلى منزل جديد حملت معها ميراثًا قويمًا، لا ينتصر عليه زمن أو يهلكه، ومنها سرى إلينا. حين لمحت بيت جدِّي وقفت مشدوهًا للحظة

❞ كان عبارة عن كوخيْن مشيَّدين من حجارة كبيرة وصلبة، يحيط بهما سور خارجي يتألَّف من أشجار طويلة، وخلفه مباشرة كوخ آخر، حوَّله جدِّي إلى مخزن للأرز والدقيق والمحاصيل الأخرى، وكانت مجموعة من الطيور تعشش على سطحه

‫ ومن المفارقات التي لا أنساها أنَّنا كُنَّا نشاهد الزرافات والغزلان تصطفّ قرب نوافذه، في انتظار الطعام الذي يلقيه لها نزلاؤه، وفي الوقت نفسه كان بعض السياح ينطلقون في رحلات لصيد تلك الغزلان وغيرها من صنوف الحيوانات، بالأيدي ذاتها التي

سانيوريتا سانيوريتا ‫ وآخرون يدندنون بمرح، ويتراقصون على أغنية بيلا تشاو بيلا تشاو: ‫ «وداعًا أيَّتها الجميلة» كانت والدتي تقول لا تنظروا إلى ما يفعل هؤلاء، هم ثملون مغفلون لا يدركون ما يفعلون ‫ ومن المفارقات التي لا أنساها أنَّنا

اا ك

من قال لكم إنَّنا لا نحبّ وطننا، برغم أنَّنا نكره العودة إليه؟ أحببت مسقط رأسي، ولم أفكِّر مطلقًا في العيش بعيدًا عن بلدتي وعن وطني، لكنّ صوت الرّصاص سمٌّ زعاف يزيل الحب ويبدِّد أثره.شتت الرصاص والموت قلوبنا عن هواها

❞ من أخبرك أنَّ الموت يطوي صفحات ليالينا؟ إنَّنا نترك دماءنا حارة في عروقكم، والدماء الحارَّة تحمل الإرث، مباركًا أو ملعونًا، في رحلته التي لا تنتهي، والدِّماء الذكيَّة أيضًا تُسفح على الأرض لتروي ظمأها ❝

صورة اللَّاجئ الأبديَّة، حيث تختلف الأزمنة والأمكنة، ويظلُّ اللَّاجئُ هو اللَّاجئُ: جذور في الهواء، يحمل حيثما وطئت قدمُه أشباحَه ويقدِّم قرابينَه، إذ لا يكفي اللَّاجئ أن يوطِّن نفسَه في مكانٍ ما، لينجو ممَّا علق بجسده من روائح، وطعوم، وأحاسيس، وأصوات….

«مواسم القرابين» هي رواية نشهد فصولها كلّ يومٍ، قصةٌ نحن جزء من تفاصيلها، سواء أدركنا ذلك أم لم ندركه. قصَّة أولئك الذين لفظتهم الأوطان، فاحترفوا الإقامة في الترحال.

نحن لا ننكسر، لقد جاء الكثير من الغزاة إلى هنا ذات يوم، رحلوا وبقينا نحن، برغم أنَّنا لم نجد شيئًا باقيًا. أخذوا كلّ شيء..