اقتباسات جلال المسري

توزع على الجميع ثمار الشجرة وما يتبقى تحتفظ به من أجل تحويله إلى عصيـر في شهر رمضان الكريم؛ ليشرب منه الجيـران، كما أنهم يستخدمون أوراقها في شفاء المرضى أحيانًا، حتى أنها تُرسِل بعضًا منها إلى معارفها في القاهرة ‫ تُشيـر الست كوثر إلى مدى تعلقها بالشجرة فذكرت أنها تزورها بأحلامها.

في جزيـرة عواض علمت مدى أهمية المراكب في التواصل مع العالم، حيث يحتاجون بصورة مستمرة إلى الذهاب للأسواق أو المدارس أو أماكن عملهم عن طريق القوارب وأحيانا تصبح هي طوق النجاة في حالة احتياجهم للتوجه إلى طبيب عند حدوث أزمة صحية طارئة لأحد الأهالي.

في جزيـرة هيسا النوبية، حيث يقوم الشاب أنوري رمضان باستضافتهم في مكتبة صغيـرة جميلة قام بتشييدها بالجهود الذاتية ليجد توافد عشرات الأطفال يوميا عليه من أجل الإطلاع والتعرف على الموضوعات المتنوعة والاستماع إلى الحكايات التي يسردها عليهم.

«لو سألت بتوع الخردة في أسوان هتلاقيهم عَرْفِنِّي، أنا زبون دايم عندهم»، ويعد نقل تلك المقتنيات أمر شديد الصعوبة، لكن ذلك لا يُفسد متعته في جلبها إلى جزيـرته النوبية ‫ يعمل شريف على نقل التحف النوبية من أسوان إلى الشاطيء .

في جزيـرة سهيل النوبية، التقيت بشريف محمود يس الذي يواصل العمل ليل نهار لتهيئة بيت يملكه إلى أول متحف نوبي يضم بين جدرانه عشرات التحف والقطع النادرة التي استخدمها الأجداد في منازلهم وأراضيهم وحياتهم اليومية، وعندما أتم الرجل الخمسيني المكان التقط أنفاسه وارتسم على وجهه ابتسامة.

تقدمت بالأوراق اللازمة من بينها الحصول على موافقة ١٠ أشخاص من الأهالي، وإفادة من مركز الشرطة بحسن السيـر والسلوك، هناك اكتشفت أن اثنين من الضباط من طلابها، ومن بين عشرات المتنافسين وقع الاختيار على ٣ كانت منهم «أم كلثوم»، وفازت في النهاية بمقعد المأذون.

في عام ٢٠١٧ صارت السيدة أم كلثوم محمد يونس أول مأذونة نوبية في مصر، كان لدي شعور بضرورة توثيق تجربتها عبر الصورة، وعن معايشة عقد زواج في قريتها وهي تحمل دفاترها وتساهم في إتمام الزيجات بمنطقتها، وبالفعل تمكنتُ من التواصل معها واللقاء بها.

لا بد له من تعلم طريقة صنعها، حيث قام بتنفيذ أول آلة يملكها من صفيحة قبل أن يذهب إلى أشهر العازفين في ذلك الوقت «محمد إلياس» و»صلاح جعفر»؛ لمعرفة أصول الضرب على الوتر وإتقان تلك المسألة ‫.

كان الرجل السبعيني ممسكًا بآلة الطنبورة، بينما يتحدث عن سطوة تلك الآلة على باقي الآلات الموسيقية خلال طفولته، انتشارها في المناسبات المختلفة والأفراح والحضرة الصوفية، وشعوره حينها بانجذابه تجاه تلك الموسيقى ورغبته في تعلمها ‫ يقول رمضان إنه كان لا بد له من التعلم على العزف قبل أن يذهب إلى أشهر العازفين في ذلك الوقت.

«غلاب عبد النبي» بوسطجي النوبة والسد العالي الذي قضى عمره في استقبال وتسليم البوسطة في جنوب مصر.

قبل ١٨ عامًا حوَّل «عاطف دهب» - أحد أفراد الأسرة - المكان إلى منطقة جاذبة للسياح؛ إذ أقام عددًا من البيوت بجانب مناطق للاستضافة، وأيضًا مطعمًا كبيـرًا على الطريقة النوبية، واستضافة العديد من الحفلات النوبية على الجزيـرة، وأيضًا الاستشفاء من خلال الدفن تحت الرمال.

حيث تشتد درجات الحرارة، والطبيعي أن ينطلق الناس في هذا الموسم إلى المدن الساحلية لزيارة الشواطئ والسباحة، غيـر أنني وجدت عددًا من أهالي النوبة ينطلقون إلى جزيـرة «بربر» باعتبارها «مصيف»، فقررت التوجه إلى هناك لاستكشاف الأمر.

هناك أسطورة يعرفها الجميع في جزيـرة تنقار النوبية، إذ فوجئ الأهالي في يومٍ ما منذ عقود طويلة بوصول الشيخ «أرمان» أحد الأولياء الصالحين، قادمًا من سوهاج، عاش بينهم لسنوات طويلة، ذاع صيته وكراماته، لكنه عاد من جديد إلى بلدته وتوفي هناك.

في نقطة عالية بعواض، تعيش السيدة السبعينية «صفية كانو» تحكي عن الماضي السعيد، كيف جاءت إلى الجزيـرة في صباها «الخيـر كُله كان في البلد دي» ونس الجيـران، حركة دائمة، سلامات لا تنقطع، وانتشار الدكاكين الصغيـرة لبيع الخضراوات ومستلزمات المنزل.

لم يتبق في الجزيـرة سوى عائلات قليلة تمسكت بالأرض والبيت والذكريات، يعيشون على مساحة أكثر من ٣٥ فدانًا، يحاولون كسر صمت الجزيـرة وهدوئها، ويُعوِّضون غياب الناس بوضع أعداد كثيرة من «خيال المآتة» في الأنحاء وعلى أسطح المنازل لإخافة الحيوانات الضالة .

جزيـرة عواض الواقعة بين السد العالي وخزان أسوان التي كانت مركزًا للتجارة بيـن القرى لعقود طويلة قبل أن تتحول إلى منطقة هادئة تمامًا يجوبها الصمت بعد أن تركها عدد كبيـر من العائلات ولم يبقَ سوى بيوت قليلة ‫.

تتحدث الست كوثر مع الشجرة باعتبارها إنسان، تشكو لها همومها، وتروي لها جميع الأخبار الجديدة، تغني لها «يا شجرتي يا ضللتي»، كما تدعو لها في الصلوات الخمس بالازدهار والبقاء لأطول وقت ممكن؛ لأنها لن تحتمل فراقها.

لا يمكن زيارة جزيـرة غرب سهيل النوبية دون المرور على السيدة كوثر مدثر، المشهورة بالكرم وحسن الضيافة وحديثها عن تاريخ الجزيـرة وعن حكايات زمان في النوبة، وذات مرة استوقفني توقف تدفق كلامها لنا من أجل الخروج إلى شجرة الجوافة التي ترعاها أمام منزلها.

شريكة حياته لنصف قرن من الزمان، عاشت معه على الحلوة والمرة كما يقول، والحياة بعدها فقدت قيمتها، أصبح البيت من غيـرها بدون طعم أو رائحة أو لون، يقضي ما تبقى من عمره متذكرًا كلماتها الطيبة، ومواقفها النبيلة، ومساندتها له لعشرات الأعوام.💕

تعيش السيدة الهولندية «جوزيه سلبيا» مع زوجها عم «عبد الله» المراكبي النوبي، بعد أن تعرَّفتْ عليه في التسعينيات وجمع بينهما ميثاق الزواج.

‫ قضيت معهما ساعات طويلة، واستمعت إلى قصتهما؛ إذ اشتهر «عبد الله» ببراعته في قيادة المراكب الشراعية