اقتباسات أوغستو روا باستوس

لكنّ الناس لم ينسوا. لم يستطعْ أحدٌ النسيان.

لا بدّ من مخرج من هذا التناقض المرعب تناقض الإنسان المصلوب على يد الإنسان وإلّا فسيقودنا تفكيرنا إلى أنّ لعنة أبديّة حلّت بالجنس البشري، وأنّ هذا هو الجحيم، وأن لا أمل لنا في نجاة أو خلاص ‫ لا بدّ من مخرج وإلا..

أدعوها إلى أن تضع ثقتها بالربّ، سيّدنا. لكنّي لم أفلح لا لنقصٍ في إيمانها. لا، سيّدي، بل لخوف. كان الخوف يسكنها.

ضبابيّة، حتّى ليظنّ الناظر إليها أنّ الحلمَ والواقع يتنازعان لرسم صورتها.

حيث يموتُ الرجال، تشيخ النساءُ سريعاً. في الثورة الأخيرة حدث الشيء نفسُه في بلدتنا. كنتُ صبياً، لكنّي لاحظتُ ذلك. حين قتلوا أبي، شاب شعرُ أمي.

الحياة شرهةٌ نهمة وسريعة النسيان.

هكذا اكتشفتُ الحبّ الحزين، في الظلمة، بالقرب من الخرائب والأطلال، وكأنّي مدنّسٌ يهتك حرمة مقدّسات أو لصٌّ يسرق تحت جنح الظلام.

استطعتُ أن أفهم ذلك كلّه بجرعة إضافية من الخيال.

‫ كنتُ أعرفُ القصّة؛ أقصد، الحدّ الأدنى الذي يمكن للواحد معرفته من قصّة لم يعشها.

لقد طال وقت الجفاف.

‫ - فعلاً.

فهم المسيحُ الحافي الأسود، الذي يموت حقاً، فلا يفتديه أحدٌ ولا يذكره أحد.

‫ لم يفلح أحدٌ في الهرب.

ذلك الزمن الذي يوشك، كما كلّ شيء، على الانتهاء، من دون أن أعرف ما إن كان يجب أن أفرح به أم أن أحزن عليه.

تريد أن تظلّ تعيش، وهي في صحوتها، ذلك الحلم، الذي يشوّش فكرها وقلبَها، لكنّه لا يُضعف أملها في عودة الغائب.

فليس الموت في نظرها إلا الوجه الآخر الساكن من الحياة.

ذات صباح شتائي، وجدوه، عند أسفل التلّة، متيبّساً جاثماً على الجليد، بأسماله البيض. وضعوه في إحدى عربات السكّة، وحملوه إلى البلدة، بين الأدوات والعُدد. كان صريرُ الدواليب على السكّة هو ترنيمة موته.

‫ ودفنوه في تابوت طفلٍ وليد.

رأيناه وقد نزل الماء الأبيض في عينيه، فعمي. وراح يزداد شروداً، وراح، يوماً بعد يوم، يزداد انحناء، ربّما ليس من ثقل السنين، بل من خيبة مسعاه الأخير، الذي سحقه سحقاً.

المسيح الذي يرون فيه الضحيّة التي يجب الثأر لها، لا الربّ الذي أراد أن يفتدي البشر ويموت من أجل البشر. فقد لا تستوعب عقولهم البسيطة هذا السرّ.

ابن الإنسان

‫ صرخة من أجل الإنسان.

‫ الإنسان الذي لم يطلب يوماً أكثر من

‫ وطن

‫ خبز

‫ حريّة.

ما قراته