اقتباسات بدر الحسين

وعندما يتذوَّق الإنسانُ مُتعة َاحترام الذات، فإنه بالضرورة سيحترمُ الآخرين لإنسانيتهم ثم لأخوَّة الطين التي تجمعُه بهم، بصرف النظر عن لغاتهم وألوانهم وأفكارهم وعقائدهم ومكانتهم

إنَّ أجمل وجه للمعرفة يتمثَّل في صناعة الحوار وإرساء قواعد التفاهم وتقويض أسباب الاختلاف وإزالة الحواجز الوهمية بين الإنسان وأخيه الإنسان، والعناية بنقاط الالتقاء وتقبُّل الاختلاف والتنوع وتسخيرها في إغناء المعرفة وإمدادها بروح جديدة.‏

القراءة مفتاح المعرفة وغذاء العقل والروح، وهي منصَّة تُضفي على الحياة معاني الجمال الحقيقية وتمنح العقل فضاءات أوسع ومسارات أنفع.‏

والقلبُ الحالم مثل العصفور الهائم يبحثُ طوال الوقت عن فضاءٍ آمن وشجَرٍ صديق وأغصان وفيَّة يحكي لها قصَّته حضورًا لطيفًا وألحانًا عذبةً، وترانيمَ آسرة، ويبني عليها عشَّه الأثير، ويمنِّي النفس ببقاء هذا العش إذا ما غابَ عنه.‏

وفي خضمِّ هذه المتغيِّرات تنسجُ الحياةُ فصولَ الحكاية، وتسيرُ بنا الأقدارُ من محطَّة إلى أخرى، وفي كلِّ محطَّة تكونُ لنا تجربةٌ نتعلَّم منها دروسًا جديدة وخبرات نوعية، منها ما هو مطرَّزٌ بالفرح والابتهاج، ومنها ما هو مسكونٌ بالألم.‏

الاحترام امتداد لجمال الروح، وتعبير عن رهافة الحس وأناقة الشعور، وعنوان للمرونة وهدوء القلب ورحابة الصدر.‏

الاحترام لغةُ الأقوياء إذا ما أرادوا التَّفاهمَ والسَّلام، وهو أداةُ النبلاء من أجل التواصل والوئام، ولغة الأذكياء إذا ما أرادوا التعبير عن فنون الصداقة والمحبة الراقية.‏

يتجلَّى الاحترامُ في أسمى معانيه في التواصل الإيجابي مع الآخرين، وفتح آفاقِ الحوار معهم من خلال المساحة التي يوفِّرها كي يعبِّر الآخرون من خلالها عن وجهاتِ نظرهم وآرائهم وإن كانت مغايرةً لفكره ووجهة نظره.‏

يتجلَّى مفهوم الاحترام في أرقى صوره عندما يحترم الإنسان ذاته، وعندما يحترم إنسانيته، وعندما يحترم روحه التي هي قبَسٌ من نور الخالق، وعندما يحترم عقلَه الذي اكتشفَ عن طريقه المجرات وما تُخفيه الأرض وأعماق البحار من الثروات.‏

الحياةُ أعظم مدرسة نتعلم فيها أبجديات التعامل مع العالم المحيط، وتُكسبنا التجارب الثرية التي نستخلص منها العِبَر والعِظات، وتزودنا بالمناعة اللازمة لتجاوز الصِّعاب، وتعلمنا كيف نستجمعُ قوانا وننهض من جديد لنستمر ونُكمل فصول الرحلة.‏

وتستمرُّ الحكاية، وعلى حين غرَّة تلتهم الدروبُ وقعَ الخطوات وتتركُ الآثار، وتطوي الأيامُ عنفوانَ النَّفس وتُبقي الذكريات، وفي فلَك الذكريات تطوفُ المجرَّةُ الهائمة، ويتوهَّج الحنينُ إلى فصول الرحلة الطويلة التي تصبِحُ وفي غمضةِ عين مجرَّد مواقف عابرة

وهذه الرحلة، في الحقيقة، حُزمة من الأطيافِ التي ترسمُ مساراتنا وتلوِّن مشاعرنا، وتجعلُنا منخرطين في غمارِ الحياة يحدونا أملٌ كبيرٌ بالوصول إلى أهداف وتحقيقِ أمنياتٍ لا ندركُ ماهيَّتها الحقيقيَّة ولا نعرفُ إلى أيِّ الجهات ستسيرُ بنا بوصلتُها.‏

وفي الرِّحلةِ الطويلة تتألَّق كواكب وتخبو أخرى والمجرَّةُ واحدةٌ، وتُمطِرُ سحابةٌ وتُحجِم أخرى والأُفْق واحد، ولربَّما وصلَ قاربٌ أعزَل إلى شواطئ الأمان، وتاهَت سفينة مجهَّزة، وقد تنقادُ بشَعرة، وتنطقُ المرآة الخرساء من دهشة الحُسن.‏

في رحلةِ الحياة تطولُ المدَّة ويتقادمُ العهد وتكثرُ المواقف والمتغيرات، وتتوالى أحداثٌ وتتعاقب فصول، وتستجدُّ أمورٌ وتختفي عوالم، ويعتري السَّفينَ ما يَعتريه، وما بينَ هذا وذاك تجدُنا مثلَ الطُّيور المهاجرة التي تنتقلُ من فضاءٍ إلى آخرَ بحثًا عن الدِّفء والأمان، أو كفراشاتٍ حائرات تبحثُ عن مأمَن، ولا تدري على أيِّ غُصن تحطُّ ومع أيِّ نسمةٍ تُغادر.‏