اقتباسات محمد جاب الله

الموتُ بداية الحقيقة واليقين ‫ .

ومعي أنا فقط يكون السؤالُ كيف ماتوا. لا كيف عاشوا ‫ وعندما تختلطُ الأمور، وتضطرب الرؤى، وتُحيط الشكوك بي من كلّ جانب، وتتعدد الآراء ‫ أتحدّث إليهم هُم، هم وحدهم سيأخذونَ بيدي نحو الحقيقة، وأنا أثق برأيهم.

لا يوجد ميّت مبتسم، تلك الابتسامة نتيجة انكماش عضلاتِ الوجه بعد الوفاة، لا أكثر ولا أقلّ، فلا يوجد ما يدْعو للابتسام عندَ الموت ومفارقة الأحباب والتوجّه إلى العالم الآخر مِن أجل تلقي الحساب العادل أمام الله.

وجوه الموتى البيضاء لا تعني أنّهم راضون عن حالهم، أو أنّ خاتمتهم جيدة، وجوهُهم بيضاء لأنّها شاحبة؛ لأنّه لا دماء تجري فيها بعد الآن، فرجاءً توقّفوا عن قول (وجهه كان منيرًا كالقمر عند وفاته).

لماذا تخافون الموتى؟ هل يرعبونكم حقًّا إلى هذه الدرجة؟

‫ في حياتي لم أرَ ميتًا يستطيع أن يؤذي مَن هُم على قيد الحياة.

‫ لم أرَ ميّتًا يقتل أو يسرق أو يغتصب.

‫ لم أرَ ميّتًا يخدع أو يكذب.

‫ الموتى لا يكذبون، يخبرونَك بالحقيقة، أو فقط يصمتون.

‫ وعندما يصمت الموتى أكون أنا لسانَهم الناطق.

‫ وعندما يعتقد الجميعُ أنّ الموت نهاية، أصبحُ أنا الوحيد الذي يؤمن أنّ الموت بداية.

‫ نعم، الموتُ بداية الحقيقة واليقين.

‫ ومعي أنا فقط يكون السؤالُ كيف ماتوا.. لا كيف عاشوا.

ماتحكمش على الحوادث ذات الاهتمام الإعلامي من وجْهة نظرك، أو تحليلات الإعلاميّين، الحقيقة غالبًا لا يعرفها إلّا المتخصّصون اللّي اتعاملوا مع الموضوع بصورة مباشرة.

‫ وأخيرًا، مفيش حقيقة مُطْلقة أو عدل مُطلق في الدنيا، وفي حاجات مهْما حاولنا واجتهدنا في كشف غموضها، لا يعلم سرَّها إلّا الله، وفوقَ كل ذي علمٍ عليم.

عزيزي القاتل، تحية غاضبة وبعد،

تساءل السّائق بتلقائية: وده مسلم واللّا مسيحي؟

‫ رددتُ عليه بحزم: مش هتفرق معايا في حاجة، مش لازمني أعرف ديانته إيه، كلّ اللّي أعرفه إنّه قاتل، وده يكفيني.

(الموتى لا يكذبون، يقولون الحقيقة، أو فقط يصمتون)!

الحقيقةُ بعدَ ١٣ سنة كطبيبٍ شرعي، أحبّ أقول إنّي أحترم الأموات جدًّا؛ لأنّهم مش بيكذبوا.

‫ الإنسان عندما يموت يتوقّف عن التنفّس وعنِ الكذب في نفْس اللحظة، وأيّ إنسان على قيْد الحياة مُمكن يكذب تحت أيّ ظرف أو ضغط.

‫ إنّما الموتى مستحيل يكذبوا، عشرات القضايا اللّي شفتها، وكان الشهود والمُشتَبه فيهم، وحتى جهات التّحقيق متّفقة على تصوّر معيّن للحادثة، وكلّ الطرق تؤدّي لحفظ القضية، بسّ سبحان الله؛ الواحد يشوف في جثمان الميّت علامات ربّما تبدو ضئيلة ولكنها تقول عكس كلّ اللي الناس اتّفقت عليه.

ربّما مجالُ الطب كلّه كذلك، أنْ تتألم لألم الآخرين، وتسعى من أجلهم، وتحارب من أجلهم، سواء كانوا أحياءً أو موتى، لا شيء سهلٌ في الطب، لا شيء مفرح، إلّا إذا عالجت نفسًا أو أعدتَ لها حقّها.

‫ عدتُ إلى منزلي في هذا اليوم تملؤني مشاعرُ متضاربة؛ السعادةُ في إظهار الحق، ونصرة العدل في قضية (أحلام) الغامضة والصّعبة،

ثمّ غادر الغرفة مسرعًا حتى قبلَ أن أرد عليه، كانت هذه المرّة الأولى منذ شهور طويلة التي يدعو لي فيها غريبٌ ما مثلَ هذه الدعوات، كنت معتادًا على سماع هذه الدعوات من المرضى وذويهم عندما كنتُ طبيب طوارئ، أمّا بعد قدومي للطب الشرعي فلم يدْعُ لي أحدٌ إلى الآن، مَن قال إذًا إنّ الطب الشرعي عملٌ بلا مشاعر؟! مَن قال إنّ الطبيب الشرعي جافّ الأحاسيس؟ مَن قال إنّ العمل مع الموتى ومِن أجل الموتى بلا فائدة؟ هل هناك أسمى مِن أن تتواصل مع مَن هُم تحتَ التراب؟ تدافعُ عنهم وتقاتلُ من أجلهم وتحزنُ لمصابهم! ‫ ربّما مجالُ الطب كلّه كذلك،

❞ مفيش حاجة اسمها (مستحيل مستواه الاجتماعي أو العلمي يخلّوه يرتكب الجريمة دي)، الشيطان مش بتفرق معاه الحاجات دي. ❝

أمّا الخبرُ الوحيد الذي ربما يبدو سعيدًا، وسيأتيك عبرَ هاتفك فسيكون (مبروك يا دكتور.. ورق التقاعد بتاعك خِلص)

فالأسطورة تقول (قال يا قاعدين يكفيكوا شَرّ الجايين)!

الجميعُ دائمًا يشاهد الإنجازَ ويحسدك على النجاح، ويتمنى أن يكون مكانك، ولكن لا أحدَ يعلم ماذا بذلت في تحقيق هذا النَّجاح، وما الذي عانيته في كلِّ خطوة، ولا أحد بالطبع يرغبُ في دفع الثمن الذي دفعته أنت مِن وقتك وصحتك وأموالك وأعصابك من أجل تحقيق هذا النجاح!

وما تستناش لغاية لما الشيطان يلعب بدماغك.

‫ ضحكتُ وقلت: لا متقلقيش إن شاء الله، أنا لما بتضايق بستعيذ بالله من الشيطان على طول

في ثلاجةِ الموتى، يتجمد كلُّ شيء حتى الزمن.. فما إن تدخلها حتى يتوقف إحساسُك بالزمن ولا تعرف كم لَبِثت فيها إلا حين تخرج.

ولكن للأسف لا يمكنني إغلاقُ أذني حتى لا أسمع صوتَ فرقعة انكسار عنقه بفعل الشنق.

من الصَّعب أن تشاهد شخصًا على قيد الحياة، ثمَّ في اللحظة التالية تشاهدُه وهو يموت، ثم تلمسُه وتفحصه للتأكد من أنه قد فارقَ الحياة!

كان عددُ القضايا ونوعياتُها يعطي انعكاسًا لحال المجتمع، ومقدارِ التدهور الاجتماعي والأخلاقي الذي أصابه، وكانت القضايا تعطي جرسَ إنذار إلى أنَّ هناك غيابًا كاملًا لدور الأسْرة، سواء في التربية أو حتى في محاولة حلِّ المشاكل قبل أن تتفاقم.