اقتباسات جعفر العلوي

تطرقين الباب

فافتح قلبي.

لم ‬يكن ‬ثمّة ‬خدعة ‬بالأمر ‭..‬‬‬‬‬‬

‫ الحقيقة ‬أن ‬جدّتي ‬كانت ‬تُخبّئ ‬كلّ ‬شيء ‬في ‬خزانتها ‬تلك‬‬‬‬‬‬‬‬‬

‫ وتقول : "ينفع لوقت ‬الحاجة‮"‬‭.‬‬‬‬‬‬‬

‫ يوماً ‬ما ‭..‬‬‬

‫ وعندما ‬صرنا بأمس ‬الحاجة ‬لفرح‬‬‬‬

‫ ماتت ‬جدّتي‭.‬‬‬

‫ وما ‬يضرُّ ‬الآن‬‬

‫ لو ‬حفرتُ ‬قبراً ‬واسعاً‬‬‬

‫ ودفنتُ ‬فيه‬

‫ ‬هذا ‬الكلام ‬الميت كلّه‬‬‬

‫ الذي ‬تُسمّينه ‬شِعْراً؟‭.‬‬‬

‬كأن ‬ريحاً ‬أغلقت ‬النافذة ‬هذا ‬المساء، ‬على ‬قلبي ‬الذي ‬كان ‬يُمرِّر ‬رأسه، ‬ليشمّ ‬بعض ‬الهواء ‬في ‬الخارج‭.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

‫ تُسمِّينهُ ‬شِعْراً‬

‫ وأُسمِّيه ‬صريراً ‭..‬‬‬

‫ الكلام ‬الذي ‬أكتبُهُ ‬بحذر‬‬‬

‫ ثمّ ‬أسحبُ ‬يدي ‬بسرعة‬‬‬

‫ قبل ‬أن ‬يرتدَّ ‬بابُ ‬الندم‬‬‬‬

‫ على ‬أصابعي‭.‬‬‬

‫ أقول "‬أحبّكِ". وأعني ‬أنَّ ‬فراشةً ‬تقف ‬الآن ‬على ‬قلبي‭.‬‬‬‬

‫ ورغم ‬رومانسية ‬هذا ‬المجاز، ‬وبلاهته. ‬إلا ‬أن ‬ذلك ‬ما ‬يحدث ‬بالفعل‭.‬‬‬‬‬‬

تطرقين ‬الباب، ‬فأفتح ‬قلبي. ‬‬‬‬‬

‬‬‬‬‬رجال ‬يبكون ‬وهم ‬يحضنون ‬أطفالهم ‬الموتى‬‬‬‬‬

‫ كأن ‬موتهم ‬كذبة، ‬يصعب ‬تصديقها‭.‬‬‬‬‬‬

‫ رجال ‬يبكون ‬وهم ‬يحضنون ‬أطفالهم ‬الأحياء‬‬‬‬‬

‫ كأن ‬نجاتهم ‬كذبة، ‬يصعب ‬تصديقها

الأمّهات ‬الحزينات ‭..‬‬‬

‫ يكنسنَ ‬الحرب ‬المتناثرة‬‬

‫ في ‬زوايا ‬المنزل كلّها‬‬‬

‫ يجمعنَها ‬في ‬كيس ‬أسود‬‬‬

‫ ويلقينَ ‬بها ‬كلّ ‬صباح‬‬‬

‫ أمام ‬مدخل ‬البيت،‬‬

‫ حتّى ‬يعرف ‬الحزن‬‬

‫ أنه ‬مرَّ ‬من ‬هنا‬‬‬

‫ قبل ‬قليل‭.‬‬‬

‫ الأمّهات ‬الحزينات ‭..‬‬‬

‫ يستيقظنَ ‬قبل ‬الجميع،‬‬

‫ قبل ‬أن ‬تصحوَ ‬الحرب‬‬‬

‫ يُجهِّزنَ ‬المائدة‬

‫ ويجلسنَ ‬والحرب‬

‫ على ‬كرسيَّيْن ‬متقابلَيْن‬‬

‫ يُحدِّق ‬كلٌّ ‬في ‬الآخر‬‬‬

‫ بانتظار ‬أن ‬يصحوَ ‬الأولاد‬‬‬

‫ من ‬نومهم‭.‬‬‬

‫ كيف ‬كانت ‬ستبدو ‬شجرة ‬العائلة‬‬‬‬

‫ بلا ‬غصن ‬أمّي؟‬‬

‫ ‬أين ‬كانت ‬ستحطُّ‬‬‬

‫ ‬هذه ‬العصافير؟‭.‬‬‬‬

‫ ليس ‬أكثر‬

‫ من ‬خيط ‬حذاء ‭..‬‬‬‬

‫ لتتذكَّر

‫ كم ‬تعثّرتَ‭.‬‬‬

‫ ليس ‬أكثر ‬من ‬قبّعة‬‬‬

‫ لتدرك

‫ كم ‬مكشوف ‬رأسك‬‬َ

‫ طوال ‬الوقت‭.‬‬‬

‫ ليس ‬الحبّ ‬لعبة ‬حظّ‭.‬‬‬‬‬

‫ لذلك ‬أفردُ ‬أوراقي ‬كلّها ‬أمامكِ ‬على ‬الطاولة‭.‬‬‬‬‬‬‬‬

‫ خذي ‬الورقة ‬التي ‬تغلبين ‬بها،‬‬‬‬

‫ وتعالي ‬نلعب‭.‬‬‬

‫ أَدخِلِيهِ ‬إلى ‬البيت‭..‬‬‬‬

‫ غيابكِ ‬الذي ‬يتجوَّل ‬في ‬الخارج،‬‬‬‬

‫ حتّى ‬هذا ‬الوقت ‬المتأخّر ‬من ‬الليل،‬‬‬‬‬

‫ يجعل ‬شوارع ‬هذي ‬البلاد‬‬‬

‫ تبدو ‬أكثر ‬حزناً‬‬

‫ ووحشة‭.‬‬

‫ ليس ‬في ‬الأمر ‬خدعة ‭..‬‬‬‬‬

‫ البارحة ‬حين ‬كنتِ ‬تنامين‬‬‬

‫ تعلَّمتُ ‬كيف ‬أصنع ‬قارباً ‬ورقياً‬‬‬‬

‫ لهذا ‬لم ‬أستغربْ ‬أبداً‬‬‬

‫ حين ‬استيقظتُ ‬صباحاً‬‬

‫ لأعثرَ ‬عليَّ ‬في ‬الضّفّة ‬الأخرى ‬من ‬العالم‭.‬‬‬‬‬‬‬‬

‫ تُسمِّينهُ ‬شِعْراً‬

‫ وأُسمِّيه ‬صريراً ‭..‬‬‬

‫ الكلام ‬الذي ‬أكتبُهُ ‬بحذر‬‬‬

‫ ثمّ ‬أسحبُ ‬يدي ‬بسرعة‬‬‬

‫ قبل ‬أن ‬يرتدَّ ‬بابُ ‬الندم‬‬‬‬

‫ على ‬أصابعي‭.‬‬‬

‫ ما أقوله ‬الآن ‬بين ‬سَطرٍ ‬فارغٍ ‬وآخر، ‬‬‬‬‬‬‬

‫ هو ‬ذلك ‬الكلام ‬الذي ‬تُسمِّينه ‬شِعْراً، ‬‬‬‬‬‬‬

‫ وأُسمِّيه ‬التعب‭.‬‬‬