أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها > مراجعات كتاب أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها > مراجعة Mohamed Osama

أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها - طارق إمام
تحميل الكتاب

أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها

تأليف (تأليف) 3.5
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

#ريفيوهات

"أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها..سيرة ترجمان لا يهدأ"

-"الحسن بن الهيثم".. لا أظن أن هذا الاسم قد مر على معظمنا إلا وقد طرأت على أذهاننا إسهاماته في تفسير رؤية الأشياء، حيث قال إن الضوء يسير بخطوط مستقيمة من مصدره إلى الأجسام ومن ثم يرتد إلى الأعين ليكون الصورة.

-لعلك تسأل: ما علاقة ذلك بمجموعة "أقاصيص أقصر من أعمار أبطالها" للكاتب طارق إمام، الصادرة عن دار الشروق منذ أيام قليلة؟ والإجابة لا تتطلب إلا توسيع النظرة وقياسها على رأس أفكار المجموعة، لنستكشف جوانبها وأسبابها، والتي تُعلمنا ما إن كانت الصور المغلفة بها، منطقية، وملائمة لما تعبر عنه من مشاعر أم لا.

إذن لا أعتبر أن ما قام به طارق إمام في هذه المجموعة، والمنضمة إلى مشروع أدبي يقوم على صنع رؤية جديدة للمدينة وتكويناتها _ الأرض، والناس، وما يصلهما من نظريات وتفاعلات حيوية_ مجرد افتتان وغرام بالتجريب وتكوين الصور الملغزة، بل يعد عماداً أساسياً، يتقوى ويتآلف مع بقية الرموز الحاضرة بالأعمال الأخرى للمؤلف_ كعجوز البحر برواية شريعة القطة، والجدارية التي تؤوي شخوص رواية ماكيت القاهرة، والصياد والفريسة بمجموعة حكاية رجل عجوز- مثلما تآلفت الأجساد بقصة "حصة التشريح"، لتخلق أمامنا سبباً يتحرك متبعاً ما يضعه الكاتب من علامات تشبه أعقاب السجائر إلى أن يكشف عنه بمصدره الخاص -كما قصتي محض رجل في ملصق، والشمس والقمر- فنعرف السر هاضمين تلك الشواهد البادئة حين كنا نراه بعيداً بلا هوية مميزة.

"الكثيرون يطيرون هذه الأيام، والبقية تمشي على الماء

صارت المعجزات في المتناول

منذ أصبح الواقع باهظ الثمن "

من فصل "هايكو المدينة"

-يستهل الكاتب ذاك السر بنظرة نقدية، تنبع مما انعكس عليه من صور لعالم مغطى بإيقاع واحد كما نرى بقصة "متطابقون"، ما يبعد كل معنى عن أصله. تصل إلى أن يرى ألفاظا متلازمة من المفترض أن تصنع هيبة في قلبه، مثل العشق والبراءة، البين والذكرى، التيه والهداية، الحياة والموت، مجرد أشياء ممزقة ملقاة بين شوارع مدينته تعجز- وقد أهيل عليها غبار الزيف كما بقصة "خلف النعوش" والمقطع الحادي والعشرين من هايكو المدينة في العلاقة المتنافرة بين السيرك والوحوش - أن تُعرِّف بنفسها "كما بقصة الكفوف".

- ومثلما كان بطل قصة "العمى" متمسكاً بعلته بزهد عن الدنيا التي بحسب قوله: كفت عن رؤيته، احتجب الكاتب عن الرؤى والإيقاعات الواقعية، مرهقاً منها، محتجاً من جعلها الإنسان والمدينة قطعاً مصغرة ذات أدوار مهمشة تعيش معظم حياتها في مراقبة حيوات أخرين كما بقصص "حصان في حجم عقلة إصبع، محض رجل في ملصق، ونور متفق عليه". ومن ثم يبدأ ذهنه بترجمة الواقع بلغة جديدة، من خلال خيط يمتد بين ماضيه، بادئاً من إهدائه لأبيه الراحل "أنت فوق التراب ..أنا تحته" مروراً بقصص الإرث والوصية، وبين مصيره ومستقبله في قصتي "حاسة زائدة، وموتي"، ومعتمداً على نافذة بسيطة "كما بقصة س، ج النوافذ" تطل على شيء من أساسيات واقعه المرن، لتتواطأ معه على تغييره متوافقة مع مستهل المجموعة المقتبس من الكاتب ديفيد كورنويل "نحن لا نعيش في الواقع، إنما نزوره".. ولننتقل في القصص بخاصة قصص "عندما انقلب الناس، وعندما انقلب العالم، كلانا ضيف الآخر" من استغراب المشهد، إلى الغوص فيه، ومن ثم تحليله.

-وحين ننتقل إلى توظيف الرؤية المترجمة بذهن الكاتب- أي آلية التجريب عنده- سنجد أنها تعتمد في أساسها-نتيجة لما ذكرناه من سأم الواقع- على أساس قصة "كل الكتب التي قرأناها، كل الكتب التي لم نقرأها" فتتوالف المشاهد أو اللحظات المكررة إلى أشياء بسيطة مختزلة تشبها نصوص الهايكو، أو حذفها باعتبار أنها زائدة مع الإبقاء على طاقتها الشعورية المتصلة بصاحبها كما بقصتي "حاسة زائدة، وموتي". معتمدا على مبدأ أصيل أرساه طارق إمام بروايته "ماكيت القاهرة" عن إظهار الأفكار أو المواد المميزة فقط، حتى تظهر بشكل متناسق يستوعبه العقل ولا يخل بروح المشروع الأدبي "ويقصد بذلك النظرة الجديدة لروح المدينة".

-هذا الاختزال والاستبعاد جعل التأمل في الاختلاف والتمازج وكذا نقاط الالتقاء المشتركة، مريحا للعقل. مبعدا عنه ما يلجئه إلى الاعتماد على قوالب ثابتة تدور حول حيوية العالم التي تستمد من حركة الطبيعة تداخل حركات البشر وتعاقب الأجيال لتحافظ على إيقاع متزن. فنراها تنفتل من الطبيعة وهيئتها المعتادة-كما بقصة الشمس والقمر-للولوج أكثر في علاقات متشعبة النفس: علاقتها بذاتها كما نرى مراقبة البطل حياته وتمثيلها أمامه كما بقصص "كلانا ضيف الآخر، ساقه الصناعية، لست كلمات ولست يدا" وعلاقتها بالمكان وانغماسه فيه بتجاربه الخاصة. بداية من العلاقة بين قصتي "الطريق، وقاطع الطريق" وصولا إلى قول الكاتب في بداية فقرة "من هنا لهنا" من قصة موت الأب "لم يكن مقعدك، كان أنت". وأيضا علاقتها بالزمن كما بين الأب وابنه بقصة "موت الأب" والابنة والأم بقصة "بين وردتين" لما فيهما من سباق والتقاء بين زمنين ما كانا أن يلتقيا واقعيا من ناحية، وعلاقتها بأصلها برؤية انعكاس أفعال المهد-أو الأفعال الأصلية عموما- بقصتي "ألعاب الطفولة الخطرة، الكفوف" ومقاطع عدة من فصل "هايكو المدينة " من ناحية أخرى. ومن ثم صنع مقارنة ومقاربة تؤدي إلى جعل جمل كالمذكورة بالقصة الثانية "أنتِ هي لو كتب الله لها عمرا" أو القصة الثالثة "تعجز أن تشير إلى القاتل" أو بالمقطع الثامن عشر من هايكو المدينة "المسمار قديم في رغيف الخبز، منذ كان نعشا" تمثل حقيقة ماثلة سهل اقتطاعها كما تقطف الوردة وتفنيدها.

-ولكي نكون منصفين لم تكن تلك العملية بنسبة كبيرة مطلقة أو عشوائية، بل كانت مغلفة بسبب يزداد وضوحا وصفاءً كلما تقدمنا عبر القصص والومضات. لنجد قصص "كل الكتب التي قرأناها، نائم يحلم بنائم، كل مرة لأول مرة، سيرة مغمضة، أحلام فندقية، والمدينة " تشرح أن الواقع على الأغلب بتكراره، ليس فيه تحفظ بتبادل الأدوار "كما رأينا التداخل بين الرفيقتين وآلية بكائهما بفقرة دموع الندم بقصة متوالية الدموع" أو بالتعايش مع بقايا تجارب الآخرين وإكمال نواقصها كما في قصص "المدينة، وبين وردتين، وأحلام فندقية"، وإنما التكرار هنا لاحتياج الحياة إلى الونس بمراقبة ما تفعلها النفوس بتجاربها التي تشبه الأردية الموحدة والاستمتاع بفلسفتها وحركتها التي تصنع خربشات مميزة على تلك الأردية فضلا جداريات الأزمنة، كما نرى بقصة "الحياة" ونسبيا فقرة دموع العمر بقصة "متوالية الدموع" أو بقصة "فيلم روائي طويل"-ويقصد هنا بالحركة والمتعة الموصوفة، لأن الفكرة العامة بفضل الجدل الحادث بين البطل والفيلم تميل لنظرة المؤلف- وهذا ما لا يريده الكاتب في الأصل، فوازن بين الاختزال واحترام مبدأ الحياة، فصنع ما يشبه فتقا في جيب الواقع يبتلع بعض تلك المتتابعات ثم يهضمها داخله لتمتزج برؤيته الجديدة وهو ما تم الترميز إليه على الأغلب بقصتي "الفتق، وسكنته أسنانه".

-ومن ذلك تصنع تلك الموازنة نافذة كبرى تطل على علاقة الكاتب بأفكاره. ترينا قيمتها عنده كما بقصة فكرة بأن يشملها بعطف أبوي كأنها قطعة منه فتجلس على رأسه. وتطلعنا على حرصه على ألا يمسها شبح الهرم والشيخوخة حتى لو كانت مصيرها مرتبط بمصيره غالبا إن لم تكسى بالكتابة كما بقصة "مدينة كاملة من الأشخاص الذين لا يكبرون". ومن خلال ذلك نكتشف التراوح بين إرادتها الحرة في التعبير عن نفسها رغم سطور الكاتب كما اتضح أمامنا شعور الحيرة بقصة "مسودة قصة موضوعها مسودة قصة"، وبين التواطؤ في مرونة تشكل كلماتها أحيانا كما بقصة "أماكن صحيحة. والأهم أننا نلتمس خوف المؤلف بأن تسحب الفكرة العامة من أدواته، فيهوي كما هوى رائد الفضاء حينما اختفى القمر رويدا رويدا، وصار محاقا.

-ختاما، فإن تلك المجموعة القصصية تعتبر عملا مميزا يوشي مدينة طارق إمام ويزينها، بالتطرق إلى معضلة بداية التجربة "لأننا نولد عجائز" والخفة في لحظات نهايتها "لأننا نموت أطفالا" وما بينهما ومضات من حيوات مأهولة كنهر جارٍ يقتسم الكاتب والقارئ التيه والحيرة عن موقعهما فيه ومن ثم يعيشان الرحلة سويا. وتبقى النهاية معلقة، لأن كل الومضات تصلح مكانا للإقامة والعيش. وهذا ما يعطي للمدينة معنى ربما بنظرة الكاتب.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق