خاتم سُليمى > مراجعات رواية خاتم سُليمى > مراجعة Rudina K Yasin

خاتم سُليمى - ريما بالي
تحميل الكتاب

خاتم سُليمى

تأليف (تأليف) 4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

رقم تسع واربعون / 2024

خات سليمي

ريما بالي

تطبيق ابجد

‫ إن حياة الإنسان يا سلمى لا تبتدئ في الرحم، كما أنها لا تنتهي أمام القبر، وهذا الفضاء الواسع المملوء بأشعّة القمر والكواكب لا يخلو من الأرواح المتعانقة بالمحبّة والنفوس المُتضامنة بالتفاهم.‬‬

‫ جبران خليل جبران‬‬

بعض التجارب يا سلمى باهظة الأثمان، وقد تكلّف المرء حياته.

‫ - وبعض الحب يا شمس يستحق أن يبذل الإنسان من أجله حياته.‬‬

‫ - أنت قلتها… حياته هو، لا حيوات أشخاص آخرين‬‬

على المصطبة الرخامية أسفل جهاز تجفيف الأيدي لمحه منسيا في الزاوية، تجمّدت عيناه على ذلك الخاتم الفضي لبرهة. نادته تلك الزخارف الشرقية السوداء والفيروزية المنقوشة عليه بإتقان، وهوى قلبه عندما غمز له التنين (مثبت على الخاتم) بخبثِ من يقول: هيه.. أنت.. ألم تتذكرني؟

الادب السوري ادب حزين لا تجد فيه متنفسا للحب وربما الحياة لقد حاولت الكاتبة السورية التي لم اكن لاعرفها لولا تطبيق ابجد اظهار الحب وان كان تناصا مع الحرب تلك الحرب التي اخذت ما اخذت من الشعب السوري ومع "خاتم سُليمى"، التي رشحت للقائمة القصيرة بوكر 2024،

كل ذلك عبر الخيال والواقع والتاريخ والقوانين وغرائب الزمان والمكان في محاولة لاكتشاف سر الخاتم العجيب المُلقى في مطار بيروت بينما لم تبرح صاحبته بيتها في مدينتها المنكوبة حلب، حدث ذلك في يوم خريفي كئيب من أيام عام 2017 في مطار بيروت، عندما لمح المصوّر الإسباني "لوكاس أورتيز بيريز" صدفة خاتم محبوبته الحلبية سلمى العطّار "المنقوش بزخارف تحكي حكايات عجبية لم يتوصل لوكاس إلى فهمها يوما"، وكان قد مضى أربع سنوات على آخر اتصال بينهما، وحوالي العقد على آخر لقاء جمعهما في مدينة حلب السورية.

باسلوب سردي دمج بين الواقع الذي يعيش يه السوريون من عام 2011 وما قبلها استطاعت الكاتبة ريما بالي ان تدمج التاريخ بالواقع من خلال تتبع سيرة ومصائر مجموعة من الشخصيات التي عاشت في مدينة حلب السورية مطلع الألفية الثالثة قبل أن تحلّ الحرب لعنة عليها، ويُفرض الحصار على أهلها، وتتحوّل المدينة من واحة أدب وفن وصناعة وتراث إلى مكان تسكنه الاشباح ، مدمّر ومهجور.

شخصيات الرواية شخصيات تعيسه لم تحاول اسعاد نفسها فالحب الضائع بين سلمى وشمس الدين والصحفي الذي رضي بالبعد برغم محاولاته والغربة والوطن الذي اخذته الحرب فالبلد قد انهارت اوسقطت بين التنظيمات والمعارضة كما يحصل الان حيث ذهبت غزة ضحية فهل كان تاريخ سوريا يكتب في غزة .شخصية شمس كانت أكبر انتقاد لهذا الوضع، فهو وصل الى حالة من التصالح مع كل الأديان، مرتئيا أن العقيدة من الأمور الشخصية التي لا تصلح للجدل، مقارنة على النقيض بحال الصراع السني-الشيعي، ومذاهب اليهود، كنموذج لعدم تقبل الآخر داخل ابناء ديانة واحدة

تدور أحداث الرواية بين مدينتي حلب وطليطلة (توليدو) الإسبانية قبل سنوات معدودات من اندلاع الحرب السورية، حيث يحدث الاتصال الثقافي بين المدينتين وتلعب مصائر تلك الشخصيات الثلاث، التي تباينت في المنبت والثقافة والتطلعات ولكنها اجتمعت على عشق حلب، التي "تئن أسفل أنقاض الأحلام والفرص الضائعة"، وعلى مطاردة سحر الأشياء وخيالات الحب ورغائب الجسد التي شكلت محور الأحداث في الرواية من خلال خاتم سليمي لاالذي تحدث عن تاريخ حلب قبل ويعد الحرب بحرفها وصناعاتها وفنونها، وبين حاضرها المنكوب تحت ركام الأبنية المتهدمة، وعلى مستوى القصة فإن الخاتم بمثابة الرابط العجائبي بين حاضر الشخصيات وماضيها ومستقبلها، وبذلك يتحول الخاتم إلى بؤرة نصية تتوالد عنها الدلالات وتتشكّل في طريق تقاطعها وتكوينها النهائي للمدلولات الاجتماعية والسياسية والثقافية للعمل..

وبالعودة إلى أحداث الرواية، نجد أن سلمى تمتلك نسختين من الخاتم السحري المزخرف بنقش طبق الأصل عن النقش الذي يزيّن سور أحد أبواب حَلب القديمة، أهدت سلمى إحدى تلك النُسخ لشمس الدين (سيليفو كارولوني) وأطلقت عليها اسم "خاتم سليمان"، أما النسخة الأخرى فاحتفظت بها، وجعلتها لا تفارق بنصرها، وأسمتها "خاتم سُليمى".

ولأن الأسطورة تروي عن خاتم النبي سليمان -عليه الصلاة والسلام- الذي يقود به الإنس والجان، ويتحدث بقدرته مع الحيوان، ويستقيم من خلاله ملكه ويثبِّت به عرشه، فقد نسَجَتْ سلمى أسطورتها عن "خاتم سليمان" خاصتها؛ فمنحت من خلاله لشمس الدين أسرار المُلك والمعرفة والحكمة المطلقة.

في حين ظل الخاتم الآخر "خاتم سليمى" لغزا محيرا، وشيئا سحريا، وحكاية ينتظر لوكاس أورتيز سماعها من سلمى التي شغلته بسره سنوات عديدة قبل أن يعثر على توأمه صدفة في مطار بيروت دون أن يجد أثرا لصاحبته.

ويحدد الخاتمان، بسحريتهما وانتقالهما بين الأصابع والأمكنة، معالم قصّة الحب التي جمعت سلمى وشمس الدين من جهة، وسلمى ولوكاس أورتيز من جهة أخرى؛ فينظمان السرد، وينتجان عنصر التشويق، ويجليان بواطن الشخوص ويسهمان في رسم المصائر المختلفة لأبطالنا.

فخاتم سليمان، بانتقاله الغرائبي إلى ذلك الركن العشوائي من مطار بيروت مفارقا إصبع شمس الدين، كان الشاهد على قصة حب عاصفة لم يكتب لها أن تستمر بين صاحبه وسلمى، أما على مستوى النص فكان هذا الخاتم المتروك مجازا لضياع المُلك في حلب المدينة العظيمة، وهلاك أهلها، ودمار عمرانها بعد موت سُليمانها (شمس الدين) تاركا المدينة التي عشقها مهجورة إلا من سلمى "ناطورة المفاتيح" التي بقيت تحرس أنقاضها.

وإلى جانب الأحلام واللهب، تحتل البُسط الحلبية الحيز الأكبر من فضاء الشعرية في الرواية، فنجدها حاضرة منذ البداية في لوحة الغلاف التي خصصتها الروائية لبساط مطرَّز بالزخارف النباتية والهندسية، مرورا بمهنة بطلتها سلمى التي تعمل في جمع وبيع التحف والبُسط الحلبية الأثرية، وصولا إلى بساط لوكاس السحري جلّاب الرؤى والأحلام.

وتشكّل البسط والشموع والخواتم والأحلام مفردات الشعرية في الرواية، لتعكس عبر مزيج من السحر والغرائبية والأصالة روح حلب مدينة الحب والشعر والخانات والسجاد والعطارة قبل أن تدمرها الحرب.

مدينة حلب

وتحتفي بالي بالجماليات الزاخرة لمدينتها حلب، فينتقل السرد كالكاميرا بين أمكنتها واصفا أدق مظاهرها العمرانية والتراثية، متجوّلا في أحيائها العريقة، ومتنقّلا بين ساحاتها وأزقتها وخاناتها، ناقلا كل تفاصيلها بما في ذلك الروائح المميزة لمحالها وحوانيتها حتى ليخال القارئ نفسه سائحا في الأسواق والخانات الأثرية والمطاعم والمقاهي العتيقة لحلب القديمة.

وحلب حاضنة الحدث الروائي، والمركز المكاني الذي تتشابك فيه أحلام وتطلعات ومصائر الشخوص؛ فتبقى الهاجس الرئيسي لأبطالنا حتى بعد مغادرتهم إياها هربا من الحرب.

وعلى الرغم من أن الحرب لا تحضر إلا في مشاهد معدودة ضمن "خاتم سليمى"، فإن القارئ يتحسَّس ظلالها بينما المدينة تفقد هويتها شيئا فشيئا بفعل القصف والسرقة التي طالت الأسواق القديمة ومنزل شمس الدين ومحل سلمى للتحف.

وفي النهاية حدث ضبابي لا ندرك معه ما إذا كان لوكاس حيا يحلم أو في غيبوبة أو ميتا، لتترك الكاتبة لقارئها حرية نسج النهاية لقصة حب منقوصة جمعت بين لوكاس أورتيز وسلمى.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق