حين قرأت هذه الثروة الكتابية , كنت أقف في كل مرة على ذلك الموقف الذي يقف فيه كل صاحب دير في تلك النقطة التي يتسطيعون من خلالها رؤية الهادية بشكل واضح وشامل , ليشاهدوا ذلك الجمال الرائع لتلك * الهادية * التي كانوا يعيشون كل يوم فيها ولا يروا شيئا مميزا فيها , وكان يلفت نظري أن كل واحد منهم سأل نفسه في تلك اللحظة ( هل كان يلزمني أن أرحل حتى أرى هادية * أخرى * ؟ ) ,, ولكن حين رحل أهل الهادية أنفسهم منها , بعد أن ذاقوا الويل والعذاب في محاولات كان ينجح بعضها , ويفشل بعضها الاخر فشلا ذريعا مخلفا وراءه الأسى ومئات القتلى والجرحى والأسرى , والدم , ليحافظوا على الهادية ليحولوا دون أن تسلب منهم .. حين رحلوها هذه المرة كانت ألسنة النار تلتهم كل ما تراه أمامها في الهادية , كل شيئ , الخيول المهترئة , بعض الحيوانات التي نجت بأعجوبة من الموت إثر الجوع , أبر اج الحمام , حتى الحمام لم يلبث من ذلك العبث الذي حل على الهادية , حتى أجنحتها احترقت وباتت تحركها بأسى , محاولة لإختلاق حياة جديدة لها , حين غادروها هذه المرة , ووصلوا إلى النقطة التي يقف فيها صاحب الدير , النقطة التي تمكنهم من رؤية كل الهادية , بوضوح , كانت النار وحدها هي التي رأؤها , لكنهم حينها لم يسألون أنفسهم ذلك السؤال الذي سأله صاحب الدير لنفسه حينما رحل , (( هل كان يلزمهم أن يرحلوا حتى يروا هادية أخرى ؟ )) , فهم لم يكونوا بحاجة لأن يرحلوا حتى يعرفوا قيمة الهادية , أو حتى ليروها بنظرة أخرى , وبزاوية أخرى , وبشكل أكثر وضوحا , وأكثر جمالا , كانت الهادية من دون ذلك كله أجمل ما رأت أعينهم , لا يلزمهم أن يرحلوا كي يروها هادية جديدة ,
زمن الخيول البيضاء > مراجعات رواية زمن الخيول البيضاء > مراجعة بشائر حداد
زمن الخيول البيضاء
تحميل الكتاب